حديث من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين والدروس المستفادة منه
تعرف على شرح وتفسير حديث من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين
حديث من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، يعد العلم الشرعي من أعظم النعم التي يمنحها الله لعباده، وهو مفتاح الفهم الصحيح للعقيدة والعبادات والمعاملات، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف بيان واضح بأن الفقه في الدين علامة على إرادة الله الخير لعبده، فالفقيه ليس حافظٍ للنصوص فقط، بل هو من يفقهها ويدرك مقاصدها، ويهتدي بها في حياته، وينقلها للناس بصواب.
سنتناول في هذا المقال شرح حديث النبي ﷺ: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”، مستعرضين معانيه، ودلالاته، وفضله، والدروس المستفادة منه، مع بيان أهمية العلم الشرعي في حياة المسلم.
نص حديث النبي ﷺ: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعت النبي ﷺ يقول: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. وإنما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله” (رواه البخاري ومسلم).
شرح حديث “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” مع بيان معانيه
“من يرد الله به خيرًا”
الإرادة هنا إرادة شرعية، أي أن الله يختار لعباده الخير ويسوقه إليهم بتوفيقه، والخير هنا يشمل خيري الدنيا والآخرة، وأعظمه هو هداية الإنسان إلى الفقه في الدين، لأنه أصل النجاة والسعادة، والفقه في الدين يتعدى كونه معرفة الأحكام، بل الفهم العميق والاستيعاب الصحيح للأوامر والنواهي، والقدرة على تطبيقها في الواقع.
“يفقهه في الدين”
يفقهه: يفهمه، يقال فقُه: إذا صار الفقه له سجية، وفقَه: إذا سبق غيره إلى الفهم وفقِه: إذا فهم.
الأمة: هي الجماعة أو الملة، والمراد بها الجماعة المسلمة.
والمقصود هنا أن الله من يرد به خيرًا يجعله فقيهًا في أمور الدين، أي يفهم الشريعة فهمًا صحيحًا، ليس مجرد حفظٍ للمعلومات، بل استيعاب للمقاصد والحكم، والفقه يشمل علم العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، وليس مقتصرًا على الفقه الفروعي فقط، ولا يقتصر الفقه في الدين على مجرد معرفة الأحكام، بل هو الفهم العميق الذي يؤدي إلى العمل بها وتطبيقها.
يدل الحديث على أن العلم الشرعي من أعظم النعم التي يمنحها الله لعبده، فمن أراد الله به خيرًا يرزقه الفقه، ومن حُرم العلم فقد حُرم الخير العظيم، ولا يعني هذا أن من لم يتفقه في الدين ليس فيه خير مطلقًا، ولكنه حُرم من أعظم الخير، وهو معرفة الله ودينه كما يجب.
فضل الفقه في الدين
- الفقه سبب للفلاح في الدنيا والآخرة، فبه يعرف الإنسان كيف يعبد ربه ويحقق التوحيد الخالص.
- يحمي الإنسان من الانحراف في العقيدة والعبادات، فمن لم يتعلم الدين قد يقع في البدع والضلالات.
- الفقه يجعل الإنسان على بصيرة في حياته، فيميز بين الحلال والحرام، والحق والباطل، والخير والشر.
- العلماء والفقهاء ورثة الأنبياء، فهم الذين يحملون نور الهداية للناس، كما قال النبي ﷺ: “إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” (رواه أبو داود والترمذي).
- الفقه في الدين يورث الخشوع والخوف من الله، لأن العالم بالله وأحكامه أشد الناس خشيةً له، كما قال تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (سورة فاطر، الآية 28).
- مغفرة الذنوب لما يلقاه صاحب العلم في سبيل تحصيله من نصب وعناء، ولانشغالهم بتعليم الخلق ونفعهم، والتيسير عليهم، فقد وعدهم الله على ذلك مغفرة لذنوبهم، كما جاء في حديث النبي ﷺ: “إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِيينَ، حَتَّى النَّملَةَ فِي جُحرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ” (رواه الترمذي)، بشرط أن يكون العلم هدفه خير الناس ومصلحتهم.
- يبلغ العالم مرتبة المجاهدين، قول رسول الله ﷺ: “مَن خَرَجَ فِي طَلَبِ العِلمِ كَانَ فِي سَبَيلِ اللهِ حَتَّى يَرجِعَ” (رواه الترمذي)، ويقول الإمام ابن القيم: “الجهاد نوعان؛ جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير، والثاني الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه”.
- انتفاع المعلم بما علمه لغيره بعد موته، فالعلم خير ذكرى تبقى بعد موت الإنسان، وأجره دائم، ونفعه مستمر، حيث قال النبي ﷺ: “إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (رواه مسلم).
المقصود بالعلم الذي رفع الإسلام مكانته
المراد بالعلم الذي تتعلق به المكانة العالية في الإسلام، والذي رفع الله من شأن أهله هو كل علم نافع ينفع الإنسان ومجتمعه، أو يوطد صلة المخلوق بخالقه، أو يعينه على استثمار طاقته وملكاته، أو يساعده في الإفادة من قوى الطبيعة وذخائرها المكنونة، ويدفع به عن نفسه المخاطر، ويُصوب له أفكاره، ويقترب به من الحقائق، ويُخلصه من الأوهام والخرافات والأباطيل، ويصل به إلى السعادة التي ينشدها، أو يُقربه منها من غير تعيين ولا تقييد لصنف من العلوم، وبقدر ما يتعدى نفع هذا العلم، ويعم خيره تزداد منزلة صاحبه عند الله، حتى إن الله يُيسر ويُمهد له الطريق الموصلة إلى رضوانه وجنته.
سبب اهتمام الإسلام بالعلم
العلم دليل وقائد إلى الإيمان، ومعرفة الصحيح من الخطأ في الاعتقادات، والحلال من الحرام في التصرفات، وسببًا من أسباب التمكين في الأرض على اختلاف العصور، وموصلًا إلى مرضاة الله في الدنيا والآخرة؛ لذلك نال العلم اهتمامًا عظيمًا من توجيهات الشريعة إلى الأخذ بأسبابه، وبيان أهميته، وجلالة قدر العلم والعلماء.
آداب يجب على طالب العلم التحلي بها:
- يكون يكون طلب العلم خالصًا لوجه الله تعالى.
- الحرص على العلم، والسعي إليه بجد وإجتهاد.
- احترام وتوقير المعلم.
- الصبر على العلم والمعلم.
- الاستمرار في طلب المزيد؛ فقد كان الله عز وجل يُرغب نبيه ﷺ بذلك، حيث قال الله تعالى: ” وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلمًا” (سورة طه، الآية 114).
الدروس المستفادة من حديث “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”
الفقه في الدين علامة على إرادة الله الخير بالعبد
فإرادة الخير هنا تعني أن الله يختار لعبده ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وأعظم ما يُنعم به على العبد هو العلم النافع، وقال الإمام ابن حجر في فتح الباري: “فيه إشارة إلى أن من لم يتفقه في الدين، أي لم يتعلم قواعد الإسلام، قد حرم الخير”، فالتفقه في الدين ليس اختيار شخصي، بل هو توفيق من الله لعباده الصالحين.
الفقه في الدين يشمل العقيدة، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق
الفقه في الدين ليس مقصورًا على الأحكام الفقهية فقط، بل يشمل الإيمان الصحيح، والعبادات، والمعاملات، والسلوك، والأخلاق، فالإمام الشافعي قال: “الفقه فقهان: فقه في الدين وفقه في الأحكام، وأفضلهما الفقه في الدين”، والفقيه الحقيقي هو من يفهم نصوص الشريعة، ويدرك مقاصدها، ويطبقها عمليًا في حياته.
أهمية طلب العلم الشرعي
العلم نور يهدي الإنسان إلى الصواب، ويحميه من الضلال والفتن، فالنبي ﷺ: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة” (رواه مسلم )، وقال الإمام أحمد: “الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، وأما العلم فيحتاج إليه كل وقت”.
الجهل بالدين علامة على الحرمان والضلال
كما أن الفقه علامة على إرادة الله الخير، فإن الجهل علامة على الحرمان، فالنبي ﷺقال: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” (رواه البخاري ومسلم)، فالجاهل قد يقع في الشرك، أو البدع، أو المحرمات، دون أن يدري، لأنه لا يعرف أحكام الدين.
العلم يرفع منزلة العبد في الدنيا والآخرة
قال الله تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (سورة المجادلة، الآية 11)، وقال الحسن البصري: “لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم”، فالعلم يجعل الإنسان واعياً بأمور دينه، ويدرك مقاصد الشريعة، ويتصرف بحكمة وبصيرة.
العلماء ورثة الأنبياء
قال النبي ﷺ: “إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” (رواه أبو داود والترمذي)، فالعالم الشرعي يقتدي بالأنبياء في تعليم الناس، ونشر الحق، وإصلاح المجتمع، لذلك يُعد نشر العلم وتعليمه للناس من أعظم القربات.
الفقه في الدين يحمي من الفتن والانحراف
في زمن الفتن يكون العالم مرجعًا للناس، يحذرهم من الضلال، ويثبتهم على الحق، فالنبي ﷺ قال: “تكون فتن كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا” (رواه مسلم)، فالفقه في الدين يجعل المسلم يدرك الفرق بين السنة والبدعة، وبين الحق والباطل.
وجوب التلقي عن العلماء الثقات
لا يُؤخذ العلم إلا عن أهله، وهم العلماء المعروفون بالاستقامة والتقوى، ويقول الإمام مالك: “لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يُعلن السفه، وصاحب هوى يدعو إليه، وكذّاب يكذب في حديث الناس، ورجل لا يعرف ما يقول”، فانتشار الجهل والتقليد الأعمى من أسباب انحراف الأمة، لذا يجب الرجوع إلى أهل العلم الراسخين.
العمل بالعلم من أهم ثمراته
العلم لا ينفع إلا إذا صاحبه عمل، قال تعالى: “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف: 3)، وقال الإمام ابن القيم: “العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر”، فيجب على الفقيه أن يكون قدوة في العمل والتقوى، وأن يطبق ما يعلمه.
فضل نشر العلم وتعليمه
قال النبي ﷺ: “بلغوا عني ولو آية” (رواه البخاري)، وقال الإمام النووي: “من نشر علمًا نافعًا كان له مثل أجر كل من عمل به”، فالفقيه مسؤول عن تبليغ الدين، وتوجيه الناس، والإصلاح في المجتمع.
في الختام، بعد شرح وتفسير حديث “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” والدروس المستفادة منه نجد أن الحديث يُبين أن الفقه في الدين هو أعظم الخير الذي يمنحه الله لعباده، وأن من أراد الله به الخير، فتح له أبواب العلم، وجعله مستنيرًا بأحكام الشريعة، لذلك فإن طلب العلم الشرعي ضرورة لكل مسلم ومسلمة، وهو السبيل إلى النجاة في الدنيا والآخرة… نسأل الله أن يجعلنا من أهل الفقه في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر