الوقت في الإسلام، الوقت هو رأس مال الإنسان في هذه الحياة، ونعمة عظمى التي وهبها الله للعباد ليبتليهم أيهم أحسن عملًا. وقد جاء ذكر الزمن في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مقرونًا بالحض على اغتنامه واستثماره في الخير، لأن الإنسان إن لم يملأ وقته بما ينفعه، ملأه بما يضره.
يقول الله تعالى: “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)” (العصر، الآية 1-2)، حيث أقسم بالعصر وهو الزمن دلالة على خطورة تضييعه وهدره في غير النافع، كما قال سبحانه: “وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا” (الفرقان، الآية 62)، أي أن الله خلق تعاقب الليل والنهار ليكون فرصة للتذكر والتعبد وشكر النعمة.
إن إدراك أهمية الوقت واستثماره في طاعة الله تعالى والعمل الصالح من علامات فقه المسلم ونضجه الإيماني، فالوقت فرصة لكل إنسان ليبني آخرته ويحقق أهدافه في الدنيا وفق منهج الله تعالى، فما هو مفهوم الوقت في الإسلام؟ وكيف يكون استثماره على الوجه الأكمل؟.
مفهوم الوقت في الإسلام
الوقت في الإسلام يتعدى كونه مجرد دقائق وساعات، بل هو حياة الإنسان كلها، والوعاء الذي يحتوي على جميع أعماله، وهو أغلى ما يملكه الإنسان، لذلك فإن الإسلام أولاه أهمية عظيمة، وجعل العبادات مرتبطة بأوقات محددة، فالصلوات الخمس لها أوقاتها، والصيام له وقته المحدد، وكذلك الحج وأعماله.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (رواه البخاري)، أي أن كثيرًا من الناس لا يدركون قيمة الوقت والصحة إلا بعد فوات الأوان.
أهمية الوقت في الإسلام من خلال القرآن والسنة
القسم بالزمن في القرآن الكريم
لقد أقسم الله تعالى بالوقت في أكثر من موضع، ومنها: “وَالْعَصْرِ” (سورة العصر، الآية 1)، “وَالضُّحَىٰ” (سورة الضحى، الآية 1)، “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ” (سورة الليل، الآية 1-2)، ويدل هذا على أن الوقت له شأن عظيم، حيث أن الله لا يقسم إلا بشيء ذي قيمة عظيمة.
قيمة الوقت في السنة النبوية
قال النبي ﷺ: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (رواه الحاكم وصححه الألباني)، فالنبي ﷺ يُوصينا إلى اغتنام الفرص التي يمنحنا الله إياها، لأن العمر محدود، وكل لحظة تمضي لا تعود.
فالسنة النبوية أكدت على نعمة الوقت وقيمتها للإنسان، وأقرت بمسؤلية الإنسان عنها أما الله عز وجل يوم القيامة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناهُ، وعن شبابه فيما أبلاهُ، وعن مالِه من أين اكتسبهُ وفيما أنفقهُ، وعن علمِه ماذا عمل بهِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
الوقت من منظور العلماء
إن الإدارة الصحيحة للوقت تُضيف إلى حياتنا ساعات طوال، فساعة واحدة من التخطيط توفر 10 ساعات من التنفيذ، ولقد أدرك العلماء والصالحون والحكماء أهمية الوقت، وقيمته الغالية، فيقول الإمام حسن البنا رحمة الله عليه: “الوقت هو الحياة”، وقال آخرون: الوقت كالسيف، والوقت كالذهب. ولا شك أنه أحد من السيف، وأغلى من الذهب.
ويقول الإمام ابن القيم: “إذا أراد الله بالعبد خيرًا أعانه بالوقت، وجعل وقته مساعدًا له، وإذا أراد به شرًا جعل وقته عليه، فكلما أراد التأهب للمسير لم يساعده وقته”.
أساس الانتفاع بالوقت في الإسلام
الشيء إذا وقع في وقته الذي هو أليق الأوقات لوقوعه كان أحسن وأنفع وأجدى، ومن تأمل أقدار الله سبحانه وتعالى وجريانها في الخلق، علم أنها واقعة في أنسب وأليق الأوقات بها… وهكذا وقت العبد مع الله يعمره بأنفع الأشياء له.
يقول الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ” إن لله حقًا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقًا بالنهار لا يقبله بالليل”.
فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك ووظيفته ومقتضاه؛ فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل، وصيام النهار، والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه، والاشتغال به، والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل وجه، والمبادرة إليها في أول الوقت، وهكذا…..
كيفية استثمار الوقت في طاعة الله
أداء الفرائض في أوقاتها
قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (سورة النساء، الآية 103).
طلب العلم النافع
قال رسول الله ﷺ: «من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ» (رواه مسلم).
الذكر وقراءة القرآن
قال رسول الله ﷺ: «سبق المفردونَ، قالوا: وما المفردونَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذاكرونَ اللهَ كثيرًا والذاكراتُ» (رواه مسلم).
العمل الحلال الصالح
قال رسول الله ﷺ: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه» (رواه البخاري).
صلة الرحم وخدمة الناس
قال رسول الله ﷺ: «من أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقِه ويُنسأَ له في أثرِه فلْيَصِلْ رَحِمَه» (رواه البخاري ومسلم).
أسباب تضييع الوقت وعواقبه
التهاون في استثمار الوقت يؤدي إلى خسائر عظيمة، ومن مظاهر ذلك:
التسويف والتأجيل:
يقول الإمام الحسن البصري: “إياك والتسويف، فإنك بيومك، ولست بغدك، فإن يكن غدٌ لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإلا يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.”
كثرة اللهو والغفلة:
قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 1).
الانشغال بما لا ينفع:
قال رسول الله ﷺ: «من حسن إسلام المرءِ تركُه ما لا يعنيهِ» (رواه الترمذي).