التعفف في الإسلام ونماذج في العفة من سيرة الرسول ﷺ والصحابة
تعرف على أنواع التعفف في الإسلام
التعفف في الإسلام منهج حياة يسمو بالنفس عن الشهوات، ويهذبها لتكون أكثر نقاءً وإخلاصًا لله، فقد جعل الإسلام العفة صفة من صفات المؤمنين الصادقين، وربطها بالكرامة والطهارة، فكانت من الأخلاق التي أثنى عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وحين ننظر إلى السيرة النبوية وسير الصحابة الكرام نجد أن التعفف كان سلوكًا عمليًا جسدوه في حياتهم اليومية، حتى صاروا قدوة يُحتذى بها، فقد كان النبي ﷺ مثالًا أعلى في العفة، سواء في أقواله أو أفعاله، وأوصى أصحابه بها حتى صاروا نماذج مشرقة في ضبط النفس والتحلي بالصبر أمام الفتن.
نستعرض في هذا المقال مفهوم التعفف في الإسلام، وأهميته في بناء الفرد والمجتمع مع نماذج رائعة من السيرة العطرة، لنرى كيف تجلت هذه الفضيلة في حياة النبي ﷺ وأصحابه، وكيف يمكننا استلهامها في زماننا اليوم.
معنى التعفف في الإسلام
التعفف لُغةً: هو الكف عن القبيح، ويقول ابن منظور: “العفة هي الكف عما لا يحل ولا يجمل”، والعفة أيضًا النزاهة، والله تعالى يقول: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا” (سورة النور، الآية 33)، أي ليضبط نفسه بمثل الصوم، وجاء في الحديث الشريف: “ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ” (صحيح البخاري)، والاستعفاف هو الصبر والنزاهة عن الشيء، ومنه الحديث: “اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى” (صحيح مسلم).
واصطلاحًا: يقول الراغب: العفة هي حصول حالة في النفس تمنع بها عن غلبة الشهوة، وقال أيضًا: العفة هي ضبط النفس عن الملاذ الحيوانية، وقال الكفوي: العفة هي الكف عما لا يحل، وقال الجاحظ: هي ضبط النفس عن الشهوات.
أنواع العفة:
عفة عن المحارم
تشمل عفة المحارم عدة أنواع منها:
1- ضبط الفرج وحفظه عما حرم الله:
إن حفظ الفرج وضبطه عن الحرام من أعظم القيم الأخلاقية التي دعا إليها الإسلام، وهو جزء أساسي من مفهوم التعفف، حيث يأمر الله عز وجل عباده بالابتعاد عن الفواحش والمحرمات، ويحثهم على الطهارة والعفاف، وقد جاءت النصوص الشرعية واضحة في التأكيد على ضرورة حفظ الفرج، وربطت ذلك بالإيمان والتقوى، وجعلته سببًا للفلاح في الدنيا والآخرة، والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ﴾ (سورة المؤمنون، الآية 5-7).
2- كف اللسان:
يعد كف اللسان من أعظم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وهو أحد مظاهر التعفف التي تعكس نقاء القلب وصفاء السريرة، فاللسان سلاح ذو حدين، قد يكون سببًا في بناء العلاقات الطيبة ونشر الخير، أو يكون سببًا في الهلاك والفساد، لذلك جاءت التوجيهات الشرعية تحث المسلم على ضبط كلامه، والتأكد من أن كل لفظ يخرج منه لا يحمل إلا الخير، وإلا فالصمت خير له، فيجب على المسلم أن لا يكذب، ولا ينم، ولا يسخر من أحد، ويتجنب الألفاظ النابية، ويتجنب كل آفات اللسان التي تؤدي إلى هلاك الإنسان، كما أن عدم كف اللسان ملاذ السفهاء، وانتقام أهل الغوغاء، والنبي ﷺ قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” (متفق عليه).
3- غض البصر:
على المؤمنين والمؤمنات الذين لا يجدون الوسائل التي توصلهم إلى الزواج أن يتحصنوا بالعفاف، وأن يصونوا أنفسهم عن الفواحش، حتى يرزقهم الله تعالى من فضله؛ لقوله تعالى: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ”،كما أن غض البصر أمر صريح من الله تعالى للمؤمنين في قوله تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ” (سورة النور، الآية 30).
ومن أروع صور التعفف عن الفاحشة التي جاءت في القرآن الكريم قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، حيث قال الله سبحانه وتعالى: “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” (سورة يوسف، الآية 23).